ما زالت. مازالت عيناك تحاصرنى. تترقبنى. تتعقبنى. تتلصص على، تعد أنفاسى، وترصد كل تحركاتى. تحدد لى الإقامة الجبرية فى محيطها، وترسم الاتجاهات التى أرنو إليها. تحاسبنى إذا أخطأت، وتعنفنى إذا جنحت، تعاملنى وكأننى طفل، يحتاج إلى تهذيب وتأديب، تفرض على شروطا جائرة بعدم التحرك، والتجوال والنظر إلى أشياء أخرى غيرها، تعقد معى اتفاقا تحتكر به نظراتى وإيماءاتى، اتفاقا يتجدد من تلقاء نفسه، دون الرجوع لموافقتى.
أحيانا تحاكمنى بقوانين باطلة ومجحفة، تحصرنى فى محيط محدود. أتلفت فى المكان بحثا عن منفذ عن مهرب أو حتى هاوية. لكن كل ثقوب الدنيا تفضى إليك. سئمت القيود والقوانين، والإرشادات المدرسية، أحاول الفرار بعيدا، لكنى لا أستطيع. تنفذ داخلى وتحكم قبضتها على مفرداتى ولغتى، فأجد نفسى لا أتكلم بل أسبح فى عالمها وأذوب حتى أتفت، حاولت كثيرا أن أروضها، أن أستبيحها وأجعلها تابعة لى، تنفذ تعليماتى وترضخ لى ولأوامرى. حاولت أن أقودها حيث أشاء ووقتما أريد. حاولت أن أبدل موقعى. لكنى فشلت. اسمحى لى أن أعلن عصيانى وتمردى على عينيك.
وأن أتطاول، وأطالب بحقى فى القصاص منك. أن أتحرر من عبوديتك، وأن أتخلص من كل التماثيل البالية العالقة فى ذهنى، وأحطمها تحت قدماى، وأجعلها ترابا وأحجارا، فما أنت إلا وهم صغير، أستطيع أن أسحقه فى أى وقت. فأنا الذى صنعتك، اسمحى لى أن أفضح عينيك تلك التى استباحتنى، وغررت بي، وأن أعلن للناس بأنك ديكتاتورة لم تمنحنى يوما ممارسة الحب بحرية، اسمحى لى أن أنزع قيودك، وأفتح حدودى، وألغى كل الاتفاقات الذليلة التى عقدتيها معى، اسمحى لى أن أمضى. أن أتخلص من سجنك ومن قبضة عشقك. ولكن متى ستسمحين لى أن أفعل ذلك؟